بروفيسور – عاهد بركات
بعد ان أفترقنا و ذهب كل الى طريقه ، و بلغت منزلي … وتمددت في فراشي ، كنت ماأزال أفكر في لذة الحب … ولقد أكتشفت ان الطريق الى اللذة في الحب هو الأندماج ، معايشة التجربة بخسائرها و مكاسبها و النبض معها في كل نبضة ، والتأوه معها في كل آهة ولكن بقي سؤال ظل يشغل بالي إن الشعور بالحب والتلذذ به شيء … و حقيقته شيء اخر … وأنا أريد أن أعرف الحقيقة … ولا يكفيني أن أشعر بها… أريد أن أصل الى معرفة واضحة لحقيقة الحب … ما معنى كلمة حب بالضبط؟… ومتى يكون الحب حقيقيا؟ … وهل هناك حب حقيقي ؟، وكانت هذه الأسئلة كبيرة على رأسي ، وكانت الساعة تدق الواحدة … والليل عميق ، مفروض أمامي كلوحه غير محدودة … أرسم فوقها ثم أمحو و كان في يدي ذلك القفل السحري … أحاول أن أعثر على الأرقام التي تفتحه .. إنه قفل معلق على بوابة كل قلب يفتحه مفتاح واحد إسمه الحب … وكنت أبحث هذه الليلة عن حقيقة الحب ، تلك الحقيقة البسيطة التي تلتقطها حواسنا … قبل ان تدركها عقولنا … كنت أحاول في هذه المرة أن أدرك الحب قبل ان يدركني إن الحب في مجتمعنا عاطفة معقدة … لأن مجتمعنا نفسه معقد … كل شيء في مجتمعنا العصري صناعي حتى الكلام أسلوب صناعي للتعبير نصفه يضيع في التكلف والمجاملات و نصفه الاخر يضيع في الخوف والخجل ، واذا تبقى شيء فهو يخرج من الفم و قد تحول الى كذبة … و حياتنا صناعية … الطعام والشراب والمواصلات والمراسلات … كل جزء من حياتنا نصفه شركة أو يقوم على تركيبة مصنع … والإنسان في داخل هذه الالة الجهنمية فاقد لوعيه فاقد لنفسه ، فاقد لفطرته البيضاء النظيفة … لقد شوهته المداخن بالتلوث ومسخه صراع الطبقات و أحرقه النهش والتكالب الفردي على الأرباح والمغانم … والنتيجة ان علاقاتنا ليست طبيعية … حبنا ليس طبيعيا و كراهيتنا ليست طبيعية ، هناك مسخ لكل عواطفنا … مسخ يحدث في داخلنا دون ان ندري … ان ما نسميه حبا هو في أغلبه شطارة … وفي أغلبه تكتيك وتخطيط و تدبير ومعركة حامية بين أدمغة عكرة انانية لا بين قلوب صافية … الحب عملية تركيبية مفتعلة نؤلفها بمؤثرات خارجية بخلط الميول ومزجها وإهاجتها وليست عملية طبيعية تنشأ في داخلنا حتى لذة الجنس خلت هي الأخرى من الانسجام الفطري البسيط ، لا يمكن ان نسمي هذا الذي نمارسه في الشوارع والحدائق ونوافذ البيوت والصالونات والتليفونات حبا ، انه مباريات شطرنج واستعراض مواهب وعضلات ، انه نوع غريب من التمتع … يتمتع فيه كل فرد بنفسه … بقوته … وسطوته … وقدراته ، وهو تمتع حقير أناني ينتحل صفة الحب ويكذب ويكذب بوقاحة و تبجح ، والحب احيانا يعبر عن عقد نفسية فينا لا علاقة لها بمن نحبهم بالمرة ، وقد يعبر عن مركب النقص أو مركب العظمة أوالخضوع او السادية أو حالات من الشبق الجنسي أو الهستيريا أوالهروب قد يختار الواحد منا إمرأة قبيحة كسيحة لتكون موضوع حبه ، لانه يشعر انه ناقص ، وقد يستتخدم الواحد منا غرامياته معرضا يعرض فيه قدراته وتفوقه لأنه مصاب بهوس العظمة وقد يلجأ المحب الى تعذيب حبيبته اذا كان ساديا ، او قد يخضع لها ويجد لذة قي تقبيل حذائها اذا كان ماسوشيا ، وقد يكون حبه هسيريا ، يتوقف فيه القلب ويشل الوجدان تماما مثل الهستيريا العضوية التي تصيب الاطراف بالشلل الوهمي ، فيقول الواحد منا : – أنا أحب هذه المرأة ، انا أعبدها ، أنا تعيس ، أنا عاجز عن الفكير في أي شيء سواها والواقع انه لا يحبها ، وان أعماقه خالية من التفكير فيها بالمرة ، وانما هو واهم ، وقد يكون حبنا هروبا ، وقد يكون هروبا من وطأة الحياة اليومية ، أو من مسؤوليات البيت أو هروب من أنفسنا ، وفي كل هذه الحالات لا يكون حبنا حبا ، وانما يكون عاطفة عليها تلوث و تناقضات وإفرازات لعقد نفسية ، إنك لتشاهد حالات غريبة من الحب في البيوت وفي أماكن العمل … وفي المدارس ، أغرب من الروايات التي تفرضها السينما ، تشاهد المرأة التي تجري خلف الرجل و تلهث وراءه تغريه و تتوسل اليه وتقل يديه ، وتبكي و تستعطف وتصاب بالإغماء وتفقد وعيها على صدره ، وتظل تطادره حتى يستسلم ويصدق ويحبها ويتزوجها ، فمااذا تكون النتيجة ؟؟؟ تبدأ في تعذيبه ولسعه وكهربة أعصابه والمشي فوق مخه بالليل والنهار ، وهي في نفس الوقت تمشي على أعصابها هي الأخرى وعلى قلبها ، وعلى عواطفها التي أرهقتها لمدة سنين في البكاء خلفه ماالسبب ؟؟؟ ما السر في سكبها الدموع على شيء لا تحسن به ؟ ما السر في جريها وراء شيء لا تحرص عليه ؟ انها تبعثر حياتها ووقتها وشبابها وتخسر على طول الخظ هل يكون هذا حبا ، لا ، انه جنون ، هوس ، إنها لوثة الحرية المخربة التي تصيب هذا الجيل ، و تعثر على نوع اخر من الهوس … على الرجل الصلب والمرأة الصلبة ، الرجل المتأبي المتعفف المتمتع الذي يغلي في داخله ولا ينطق … ولا يفصح عن شيء مما يعتمل بقلبه … وقد تجد اثين من هذا النوع يتحابان من الداخل دون ان يتبادلا كلمة اونظرة صريحة او لقاء ، واذا تكلما فهما يطرقان كل الموضوعات الا الموضوع الذي يشغلهما …. ومثل هذا الحب الذي يولد مخنوقا ، يموت غريقا في النهاية … غريق الواقع والضرورات و ينتهي امر الاثنين الى زواج تقليدي عن طريق الخاطبة … أو الأم أو الأب ، ويفشل الزواج كما فشل الحب ، وينتحر الكبرياء علىمذبح الغباء والجهل ، هل يكون هذا حبا ، لا … انه مزيج من عدم الثقة والجبن والخوف والتردد وميراث عتيق من التقاليد الميتة ، انها كفة ضالة ملعونة مثل الحرية العابثة تماما ونهاية الاثنين الضياع في سلة مهملات واحدة وهناك نوع ثالث يفشل في الحب ، ويعيه هذا الفشل أو لا يعيه فيهرب منه بالاغراق في لذات جنسية جادة متعددة … ولا يكف عن التهافت حتى يدركة التعب والاغماء … وعمر هذا النوع محدود بفترة الشباب القصيرة وبعمر الجمال الوردي ، فإذا بدأ الورد يذبل … بدأت النهاية … وهي دائما بشع تندر بالشفقة وهكذا تتعاقب أشكال الحب في مجتمعنا في حلقات كحلقات الملاكمة ونوادي اخر الليل … وتمضي تتساءل بعد ان تكون قد كشفت السر وعرفت سر التشويه في الداء الذي يمكن في مجتمعنا وصراعه وفرديته – تمضي تتساءل بعد هذا … وما هو الحب الصحيح … ماهي حقيقة الحب … وهذا يعود الى القفل السحر الذي أعبث به في يدي باحثا عن مفتاحه في ظلمة الليل ، أين الحب الصحيح ؟؟؟ إن علاقاتنا مشوه ، لأن مجتمعنا يتصارع و يدخل كل اثنين في سباق غير شريف غير متكافيء … كل واحد شعاره : أريد أن أفوز ، أريد أن أنتصر ، وكل واحد شعاره : أنا ، أنا …أنا ,,, والنتيجة ان حبنا يمسحه الغرور والانانية والكبرياء والتعاظم والأمراض النفسية والعقد حبنا مجرد علاقة ينفث كل منا فيها سمه وعسله وما أكثر السم وما أقل العسل كيف تفسر عواطف رجل لا تحركه إلا زوجات الاخرين … أتكون هذه العواطف حبا … لا يمكن … إنها نوع من المباراة تنتهي فورتها وحماسها بمجرد الانتصار والى اللقاء في العدد القادم ماهي حقيقة الحب ؟