Search
Close this search box.
Search
Close this search box.

تضحي الادارة الامريكية ببنيامين نتياهو للحفاظ على وجود إسرائيل ؟

محمد دلومي – كاتب صحفي

أثارت تصريحات رئيس الادارة الامريكية، جو بايدن المتعلقة بالحرب في غزة وانتقاده لحكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بن يامين نتنياهو الكثير من الأسئلة حول هذا التحول في مواقف بايدن من دعمه المطلق للحرب على غزة إلى تقيض ذلك، مع أقوى حليف لواشنطن في الشرق الاوسط، ففي سابقة هي الأولى من نوعها، قال رئيس الادارة الامريكية خلال اشرافه على حفل جمع التبرعات في العاصمة واشنطن قبل أيام، أن الحكومة الاسرائيلية الحالية تعد الأكثر تطرفا من بين الحكومات المتعاقبة على اسرائيل، محذرا من خسارة إسرائيل للتعاطف الدولي في ظل استهداف جيشها للمدنيين وحجم الدمار الذي تم أحداثه في غزة، وأشار بايدن إلى أن مستقبل شعب إسرائيل صار على المحك، و في رد على رئيس الوزراء الاسرائيلي الرافض لوجود دولة فلسطينية مستقبلا، قال بايدن، أنه من الواجب تعزيز قدرات السلطة الفلسطينية، في إشارة منه أن الادارة الامريكية مصممة على حل الدولتين.

تأتي هذه التصريحات في ظل تباين المواقف و الرؤى بين الادارة الأمريكية و حكومة الاحتلال الإسرائيلي بعد أن عجزت هذه الأخيرة عن تحقيق أهداف حربها في غزة مع غياب خطة واضحة لحكومة نتنياهو في مغامرتها الحربية داخل غزة سوى قصف المدنيين بأستعمال أسلحة امريكية، ما وضع الادارة الامريكية في موقف لا تحسد عليه سواء داخليا او خارجيا بعدما تم اتهامها بأنها صارت شريكا لاسرائيل في هذه الحرب بسبب الدعم العسكري والسياسي المفرط، هذا الدعم الذي أعاد للأذهان مغامرات واشنطن في حروبها في افغانستان والعراق وعدة مناطق في العالم ما افقدها معيارها الاخلاقي دوليا، لتخوض اليوم حربها في غزة من خلال دعمها المطلق لجيش الاحتلال وسط سقوط آلاف الضحايا وفقدان آلاف من المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء بسبب قصف جيش الاحتلال الذي اعتبره الكثير من المتابعين أنه فاق حتى قصف برلين خلال الحرب العالمية الثانية، مستعملا في ذلك أسلحة امريكية من بينها الفسفور الابيض المحرم دوليا والصواريخ الذكية المدمرة، وسط معاناة المدنيين في غزة لا يمكن وصفها على مرأى من الرأي العام الدولي رغم محاولات التعتيم الإعلامي ما أثارت موجة من السخط الدولي والرفض لهذه الحرب التي تستند الى مبررات غير معقولة ترجمتها مظاهرات مستمرة في كبرى العواصم الغربية يشارك فيها عشرات الآلاف من الرافضين لهذه الحرب التي تبدو بلا جدوى ولا أهداف سوى مزيدا من استهداف الاطفال والنساء .

هذا التحول اللافت و غير المسبوق في الادارة الامريكية جاء كنتيجة حتمية بسبب رفض المجتمع الدولي لهذه الحرب المدمرة التي فاقت في وحشيتها تصور العقل البشري، ما جعل إدارة بايدن تغرد خارج السرب بدعمها المطلق لاسرائيل و عزفها المنفرد حتى في مجلس الأمن خلال استعمالها حق الفيتو ضد مشروع لوقف إطلاق النار الانساني في غزة، حيث وجدت وشنطن نفسها معزولة بين اكبر حلفاؤها في ظل امتناع بريطانيا عن التصويت بينما اتخذت فرنسا موقفا معاكسا للموقف الأمريكي.

تصريحات بايدن لا يمكن اعتبارها أنها تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني او القضية الفلسطيني، وإنما جاءت لانقاذ اسرائيل من حرب استنزاف باتت تهدد وجودها في ظل مخاوف من توسع رقعة الحرب وامتدادها في المنطقة، و هو ما عبر عنه بايدن بقوله “بأن مصير شعب إسرائيل بات على المحك” ما يعني أن التحول في مواقف الرئيس الامريكي له مخاوف تتعلق بمصالح بلاده في الشرق الاوسط، إضافة إلى كل هذا فإن اتساع رقعة المؤيدين للشعب الفلسطيني عبر العالم و داخل الولايات المتحدة نفسها بسبب مشاهد الدمار والقتل الوحشي زاد من الضغط على الادارة الامريكية من اجل ايجاد مخرج لهذه الازمة التي باتت تهدد المصالح الامريكية، كما أن استمرار الحرب يستنزف اقتصاد إسرائيل و الأغلفة المالية الأمريكية المخصصة لتل أبيب باتت محل رفض داخلي بعدما تعالت اصوات رافضة لطلب الرئيس الأمريكي من الكونجرس الموافقة على حزمة مساعدات لاسرائيل قدرت بأربعة عشرة مليار دولار، حيث بات المواطن الامريكي حساسا جدا للدعم المالي الكبير للدولة العبرية، و يمكن ملاحظة ذلك من خلال آلاف الفيديوهات في مواقع التواصل الاجتماعي التي يعبر فيها اصحابها عن رفضهم لاستعمال أمول ضرائبهم في التطهير العرقي و حرب الابادة في غزة، ويمكن ملاحظة هذا الرفض حتى في الاحتجاجات في العاصمة واشنطن وولايات أخرى في كل مرة.

وهناك عدة عوامل جعلت إدارة بايدن تأخذ موقفا غير مألوف من إسرائيل بعضها داخلي يتعلق بالانتخابات الرئاسية القادمة و ما يترتب عنها من نتائج سيما و أن شرائح واسعة من المجتمع الأمريكي باتت ترفض دعم بلادهم المبالغ فيه لحكومة نتنياهو التي تستعمل أسلحة أمريكية محرمة دوليا ضد المدنيين في غزة، كما أن الرأي العام الأمريكي صار يشعر بالخطر بسبب فقدان الولايات المتحدة الأمريكية لبوصلتها الأخلاقية في العالم، وتواصل هذه الحرب ومشاهد الدمار باتت تشكل ضغطا على ادارة بايدن سيما وأن حكومة نتنياهو لم تقدم أي شيء ملموس يخص نتائج هذه الحرب، فلا تود آجال أو افاق واضحة لحرب يخوضها نتنياهو من أجل انقاذ مستقبله السياسي وليس من أجل أهداف استراتيجية تتعلق بالقضاء على حركة حماس كما صرح في أكثر من مناسبة منذ السابع من أكوبر الماضي، فلا هذه الحرب قضت على حماس كما وعد نتنياهو وقادة الجيش، و لا الحرب انتهت خلال أسابيع كما كان يتم تداوله في بداية العدوان، هذا الوضع وهذه النتائج جعلت موقف الولايات المتحدة الامريكية ضعيفا في مختلف الحافل الدولية، وتحولت هذه الحرب الى كارثة في ظل ارتفاع عدد قتلى جنود الاحتلال، و عجز حكومة بن يامين نتنياهو عن احراز أي تقدم عسكري أو سياسي، ولم تقدم نصرا مقنعا او حتى وهميا يمكن لإدارة بايدن أن تبرر به استمرار الحرب، بل يبدو أن واشنطن مدركة لحجم المأزق الإسرائيلي وسط تصاعد الخلافات بين نتن ياهو وقادة جيشه من جهة وبين كبار الضباط في تل أبيب حول ادارة هذه الحرب والاهداف التي وجب تحقيقها، او بين بعض قادة الجيش وحلفاء نتياهو في الحكومة، التي لم تعد تخفى عن أحد وصارت تبدو بوضوح حتى في المقابلات الاعلامية، كل هذه العناصر دفعت إدارة بايدن للخروج عن المألوف في توجيه انتقادها لحكومة إسرائيل، فاستمرار الحرب لاشهر أخرى قد يعيد ترتيب خارطة العالم السياسية و الاقتصادية و حتى الجغرافية، و واشنطن ليست مستعدة لتحمل تبعات هذه الحرب التي لا يوجذ لها أفق قد تمتد شظاياها إلى دول الجوار، وهو ما يستوجب على الادارة الامريكية إعادة الاستقرار للمنطقة في ظل وجود قضايا أخرى لا تقل أهمية عن الوضع في الشرق الاوسط لا تود إدارة بايدن أن تخرج من دائرة اهتمامها كالحرب الروسية الاوكرانية و تنامي القوة العسكرية الصينية و توسع بيجين الاقتصادي و مشكلة تايوان، وتآكل الدعم الأوربي للولايات المتحدة في عدة قضايا، فاستمرار حرب غزة وفتح جبهة كبيرة في الشرق الأوسط قد يخلط الأوراق ليس في المنطقة بل في العالم ككل و بوادر توسع الحرب تبدو ملامحها واضحة بعد أن صارت اليمن رقما فاعلا في معادلة الحرب ضد غزة من خلال اعتراضها للسفن الاسرائيلية او تلك المملوكة لدول داعمة لإسرائيل في البحر الأحمر، واستمرار الحرب لأشهر قد يحرك الجماعات المسلحة في العراق وفي سوريا وقد يشعل الجبهة اللبانية وواشنطن ليست مستعدة لهذه الاحتمالات ولا تود ان تفقد أوراقها ونفوذها في الشرق الاوسط، و رغم أن الرئيس الأمريكي أكد استمرار دعم إدارته لإسرائيل و أنه سيواصل تقديم الدعم العسكري للاحتلال حتى يتخلص من حركة المقاومة الإسلامية “حماس” إلا أنه يضع في الحسبان تأثير هذه الحرب على صورته داخليا سيما و أن الانتخابات الرئاسية على الأبواب و هو الذي يطمح للبقاء في البيت الابيض لعهدة أخرى، وإستمرار هذه الحرب قد يدفع الناخب الامريكي لمعاقبة بايدن في الاستحقاق القادم، فضلا عن هذا كله فإن هذه الحرب أعادت القضية الفلسطينية إلى السطح و انتبه الرأي العالم العالمي لقضية شعب تم طمسها و تحويل الانظار عنها و تقديم القضية للعالم على أنها صفحة تم طيها بعد المعاهدات و الاتفاقيات المبرمة مع السلطة الفلسطينية و مع دول التطبيع العربي، إلا أن انفجار السابع أكتوبر الماضي أكد بما لا يدع مجالا للشك أن ما يطلق عليه سلطة فلسطينية او دولة فلسطينية لا تملك حتى أمرها و هي موجودة على الورق و في المكاتب فقط، و أن الهرولة نحو التطبيع من قبل بعض الانظمة العربية ليس الهدف منه سلام شامل و إنما الهدف منه تصفية القضية، كل هذا تفطن له الرأي العام العالمي و اكتشف ان كل ما حدث هو عبارة عن سرقة وطن من شعبه، كما اكتشف العالم وجود جزء من شعب داخل أكبر سجن مفتوح في العالم محاصر منذ عدة سنوات دون أن تستطيع الهيئات الدولية فعل شيئ له سوى بيانات الأسف و بعض المساعدات التي لا ترقى إلى مستوى المساعدات الانسانية وسط تعتيم عالمي كبير، ليتم بعد السابع أكتوبر اعلان حرب مدمرة عليه حيث أدت خلال أسابيع إلى مقتل الآلاف من الاطفال والنساء من المدنيين بطريقة وحشية وحولت أغلبهم إلى اشلاء، كما أن الرأي العام العالمي اكتشف أن هجمات السابع من اكتوبر هي في واقع الحال تحصيل حاصل و انفجار ضد الحصار و هي رد فعل طبيعي لشعب محاصر داخل أكبر سجن مفتوح في العالم، هذا الزخم العالمي و عودة القضية الفلسطينية للواجهة قد يفقد إسرائيل ذلك التعاطف العالمي الذي كسبته على مر عقود وهذا باعتراف بايدن نفسه الذي قال في نفس الخطاب ان اسرائيل تفقد تعاطف العالم معها، و هو ما لا ترغب فيه الولايات المتحدة الامريكية، فموقف الادارة الأمريكية جاء لإنقاذ إسرائيل من ورطة قد تعصف باستقرارها بل وتهدد بشق الصف الاسرائيلي، و كما قال بايدن لو لم تكن إسرائيل لأوجدناها، فالمصالح الامريكية مرتبطة ببقاء و استمرار وجود دولة الاحتلال و ليست مرتبطة بالمستقبل السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بن يامين نتنياهو ومن غير المستبعد أن تضحي الادارة الامريكية بنتنياهو بعد الحرب، بل وقد تدفعه دفعا بطريقة أو بأخرى للانسحاب من المشهد السياسي حتى خلال الحرب إذا لم يتم تحقيق أهداف واضحة خلال قادم الأسابيع، و عليه فإن إدارة بايدن باتت مقتنعة الان أكثر من أي وقت مضى أنه حان الوقت للتضحية برأس رئيس الوزراء الإسرائيلي و الحفاظ على مصالح واشنطن من خلال الحفاظ على وجود إسرائيل واستقرارها وسط الدول العربية.

ومهما كانت نتائج الحرب على غزة فإن مستقبل القضية الفلسطينية لن يكون مثل ماضيه، و مواقف الشعوب خاصة الاجيال الجديدة صارت ثابتة من قضية أعادت لهم بوصلة الحقيقة و هم يتابعون حجم المجازر التي ترتكب في حق مدنيين اغلبهم من الأطفال و النساء، كما أن الرأي العالمي لا يمكنه هضم هذه الوحشية و لن يقبل هذا الدمار الكبير و استعمال الأسلحة الفتاكة ضد المدنيين، و مهما ستحاول وسائل الإعلام مستقبلا و تسعى لتزييف الحقائق و تزوير الاحداث و اللعب على وتر معاداة السامية، فإن شرائح كبيرة داخل المجتمعات الغربية وصلت الى قناعة أن المسألة تتعلق بقضية شعب يقاوم من أجل الحرية مقابل احتلال لا علاقة له بأرض سوى مزاعم دينية و تاريخية هي أقرب للاساطير و الخرافات منها إلى الحقيقة، و ستبقى صور الدمار و أشلاء الأطفال الذين جمعهم اولياءهم في أكياس و مشهد روح الروح و يوسف ابو شعر كيرلي، وأولادي قتلوا وهم جوعى و غيرها من المشاهد منقوشة في الذاكرة الجماعية للرأي العام العالمي، الذي بدأ يدرك ولو متأخرا أبعاد الصراع الكبير في الشرق الاوسط والدور الذي تلعبه اسرائيل في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك الان بنشرتنا الاخبارية ليصلك جميع الاخبار الحصرية فور حدوثها.

صحيفة عربية امريكية اسبوعية مستقلة تأسست عام 1990

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore