كتب – رندة نبيل رفعت
في يومٍ يُحفر في ذاكرة التاريخ الحديث، انعقدت القمة العربية غير العادية اليوم، وسط تحديات جيوسياسية متفاقمة، لتُطلق مشروعًا استثنائيًا لإعمار المناطق المُدمرة في فلسطين، كخطوة جريئة نحو إعادة رسم خارطة الاستقرار في المنطقة.
المشروع، الذي قُدم بشكل “قطع” جغرافية مُتكاملة بدلًا من “نقاط” مجزأة، حظي بدعم غير مسبوق من الاتحاد الأوروبي، منظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة، ما يجعله أول مبادرة عربية تحظى بتأييد دولي مُوسع.
لكن الكيان الصهيوني سارع إلى رفضه، بينما يُتوقع أن يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضغوطًا لاختيار بين تحالفات الإدارة الأمريكية التقليدية وهذه الإجماع الدولي النادر.
المشروع العربي، بقيادة مصر وبمشاركة دول عربية كبرى، يهدف إلى إعادة إعمار قطاع غزة والمناطق الفلسطينية المُحطمة عبر تقسيمها إلى “قطع” تنموية مُستقلة، كل منها يُغطي بُعدًا حيويًا: البنية التحتية، الصحة، التعليم، والإسكان.
الفكرة تعتمد على تجاوز النهج الترقيعي السابق (المُتمثل في مشاريع نقاطية محدودة) لصالح خطة شاملة تُعالج الأسباب الجذرية للأزمة.
وقد أعلنت السعودية والإمارات عن تمويل أولي بقيمة 500 مليون دولار، بينما تعهدت ألمانيا والصين بدعم تقني ولوجستي، في إشارة إلى تحول جذري في النهج الدولي تجاه القضية الفلسطينية.
لم تمر ساعات على إعلان المشروع حتى هاجمت الحكومة الإسرائيلية المبادرة، واصفة إياها بـ”محاولة لشرعنة المقاومة الفلسطينية تحت غطاء إنساني”.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أكد أن “إسرائيل لن تسمح بتحويل غزة إلى قاعدة معادية تحت غطاء إعمار”، مُشيرًا إلى أن أي تمويل يجب أن يمر عبر تل أبيب. بينما حذرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية من أن المشروع “يُهدد أمن المنطقة”، في تصريحاتٍ تعكس خشيةً من تحوّل الدعم الدولي إلى ضغط سياسي لصالح الفلسطينيين.
الآن، تنتظر الأوساط الدولية رد فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي دعم الكيان الصهيوني بشكل غير مسبوط خلال ولايته، عبر خطوات مثل نقل السفارة إلى القدس.
لكن الضغط الدولي المُتنامي، خاصة مع انضمام الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للمشروع العربي، يضع ترامب أمام مفترق طرق: إما الاستمرار في دعم إسرائيل بشكل أعمى، ما قد يعزله عن حلفاء أوروبيين، أو الانضمام إلى “قطار الإعمار” لتحقيق إنجاز يُحسب لسياساته قبل نهاية ولايته.
مصادر مقربة من البيت الأبيض تُشير إلى أن ترامب قد يُعلن دعمًا مشروطًا للمشروع، ربما بطلب إشراف أمريكي على التمويل، أو ربطه بصفقة سياسية تُجبر الفلسطينيين على التنازل عن مطالب تاريخية.
هل يُعيد المشروع تشكيل لعبة الشرق الأوسط؟
المشروع، إذا نجح، قد يُحدث زلزالًا في المعادلة الإقليمية:
- ضربة لشرعية الكيان الصهيوني: تحويل الملف الفلسطيني من قضية صراع إلى قضية إعمار دولية يُضعف الرواية الإسرائيلية القائمة على “التهديد الأمني”.
- صحوة عربية بقيادة مصرية: تعزيز دور مصر كقائدة للتحالفات العربية، خاصة بعد سنوات من التراجع.
- اختبار لوحدة الاتحاد الأوروبي: حيث قد تتصارع دول مثل المجر (المؤيدة لإسرائيل) مع فرنسا وألمانيا الداعمتين للمشروع.
- تحدٍّ لترامب: قبوله بالمشروع قد يُعيد انتخابه “بطل سلام”، لكنه سيفقده دعم اللوبي الصهيوني في واشنطن.
القمة الاستثنائية اليوم لم تكن مجرد اجتماع طارئ، بل كانت إعلانًا عربيًا ودوليًا بأن “لعبة الأمم” في الشرق الأوسط دخلت مرحلة جديدة، حيث الإعمار سلاح، والدعم الدولي ورقة ضغط.
الكرة الآن في ملعب ترامب: هل سيختار التاريخ، أم التحالفات الآفلة؟