قلم: آمال تلاوي
قد لا تكون العودة للوطن, بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى متاحة للإنسان الفلسطيني الذي يعيش في الشتات والمنافي المختلفة خاصة العربية منها, ولكن ماذا عن عودة وجدانية.. عودة الى الأرض الطيبة, عبر المعرفة والتعرف والتحليق على بساط الذكريات نحو الوطن المغتصب كخطوة قد تكون ايجابية تعمل على ايقاظ الحس الإنساني وتثير الحنين في الأعماق وتحرك شريط الذكريات وتبعث الحياة في شريان القلب… وها نحن نفتح أبواب التاريخ.. نربط الحاضر والمستقبل بالماضي. ننفض عن عقولنا غبار النسيان لنغوص في أعماق الوطن في رحلة تؤدي ال قناعة صادقة, بأنه لا يوجد ما يلغي التاريخ… تاريخ فلسطين… اجمل الاوطان كما وصفها ابو اسحاق الاصطخري في كتابه (المسالك والممالك) بأنها أزكى بلاد الشام. إلى مدينة الرملة… المدينة العربية التي تحتلها القوات الإسرائيلية منذ عام 1948 ولا تزال … المدينة التي بناها وأسسها الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك عام 715 م, المدينة التي كانت تعتبر من أعظم المجن التي تم تشييدها في صدر الإسلام حيث جعلها الخليفة مقرا لخلافته من شدة محبته لها.. ويقول المؤرخ ناصر خسرو في كتابه (سفر نامة) الذي صدر في القاهرة عام 1945, انها من اجمل المدن الفلسطينية, كانت الرملة في بداية تأسيسها تضم اخلاطا من العرب والعجم والسومريين, ثم بدأت العشائر العربية تفد اليها للإقامة والإستقرار فيها مما أدى الى ازدهارها وتقدمها عمرانيا, ويقول المؤرخون أن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك أطلق اسم الرملة على هذه المدينة بعد أن نزل يرتاد شوارعها وأثناء جولته قابل احدى النساء التي احسنت ضيافته دون ان تدري من هو, وعندما سألها عن اسمها اجابته: اسمي رملة. وكان ان أطلق على البلدة اسم المرأة, وعرفت بعد ذلك بهذا الإسم (الرملة). تقع مدينة الرملة في منتصف السهل الساحلي والبحر الأبيض المتوسط من جهة, وبين الجبل والغور من جهة ثانية, مما جعلها تتحول الى نقطة وصل بين هذه الجهات, ونتيجة موقعها الحيوي كانت تعتبر المنطقة التي عن طريقها توزع البضائع حيث يتم تفريغها في ميناء عروس البحر الأبيض المتوسط (مدينة يافا) التي تبعد عن الرملة مسافة 18 كيلو مترا, كما كانت مسرحا لكثير من المعارك الحربية, بعد ان احتلها الصليبيون, جعلوها مقرا لجيوشهم, كما كانت قاعدة مهمة لجنود الامبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى. المعروف أن الصليبيين عند احتلالهم لمدينة الرملة كانوا يعقدون فيها مجالسهم الحربية, لمناقشة خطط هجومهم على بيت المقدس, وعقد فيها ايضا القائد العربي صلاح الدين الأيوبي مجلسا عسكريا لرسم خطة دفاع عن عسقلان جنوب فلسطين, حيث كانت عسقلان تمثل نقطة انطلاق للحملات الإسلامية الموجهة منن مصر, كما تم عقد مصالحة في الرملة بين القائد صلاح الدين الأيوبي وريتشارد قلب الأسد قائد الحملة الصليبية. تمتاز مدينة الرملة بالمسجد الذي بناه الخليفة سليمان بن عبد الملك والذي كان يرغب في جعله يضاهي في روعته الجامع الأموي وبيت المقدس, إلا أن المنية جاءته قبل أن ينتهي من هذا المشروع الذي أتمه الخليفة عمر بن عبد العزيز, لكن دون أن يكون كما شاء الخليفة السابق, وأطلق عليه الجامع الأبيض, ويعتبر ثالث جامع يتم بناءه في بلاد الشام بعد المسجد الأقصى في القدس والمسجد الأموي في دمشق, إلا أن الصليبيين قد دمروه بعد احتلالهم الرملة, وأعاد القائد صلاح الدين الأيوبي بناءه بحيث تم بناء مئذنه مربعة الشكل يبلغ طولها 25 مترا ونصف المتر على انقاض منارة بناها الملك الطاهر بيبرس عام 1318 تشتهر مدينة الرملة بأشجار الزيتون والتين والرمان والصبار وأشجار النخيل, والمعروف عن مدينة الرملة أن فيها قبر النبي صالح عليه السلام وضريح الفضل بن عباس ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وبقايا قصر الخليفة سليمان بن عبد الملك والجامع الكبير الذي أنشأه الصليبيون, وكان يعرف بكنيسة ةالقديس مار يوحنا المعمدان, ثم تحولت الى مسجد, وكذلك يوجد دير اللاتين الذي نزل في احدى غرفه القائد الفرنسي نابليون بونابرت الرملة تعاني من وطأة الإحتلال الصهيوني الرملة في صفحات التاريخ يقول المؤرخون ان مدينة الرملة سقطت بأيدي الجيش البريطاني في منتصف شهر نوفمبر عام 917 بعد الحكم العثمني الذي استمر طيلة اربعة قرون كاملة, اي من عام 157 حتى عام 1917 في عهد الانتداب البريطاني تم اقامة اكبر المعسكرات للجنود البريطانيين في قرية صرفند التي كانت تعتبر احدى اهم قرى هذه المدينة, وتقع على بعد سبعة كيلومترات, كما تم تشييد مطار اللد الذي يبعد عن مدينة الرملة حوالي اربعة كيلومترات. وقد استولت عليه قوات الإحتلال الإسراثيلي لتجعل منه اضخم المطارات المقامة في فلسطين. الجدير بالذكر أن مدينة الرملة كانت تعتبر في عهد الانتداب البريطاني مركزا لقضاء يحمل اسم (لواء اللد) ويضم بجانب مدينة اللد حوالي سبعين قرية عربية كان اهمها وأكبرها قرية عمواس وبيت نوبا ويالو واللطرون. وقد هدمت قوات الإحتلال الصهيوني هذه القرى العربية التي لم يعد لها اي وجود على الخريطة العربية الفلسطينية بعد ان حولتها الى اراض لزرع القطن وبالنسبة لمدينة الرملة حاليا, لم يبق فيها بعد الاحتلال الصهيوني سوى عدد محدود من سكانها الأصليين العرب, بعد ان تم تهجير وطرد اهلها في أسوأ عمليات وحشية يشهده العالم. والمعروف أن اهل مدينة الرملة استبسلوا بشجاعة منقطعة النظير في التصدي للعصابات الإرهابية الصهيونية التي استعانت بقوة من (البالماخ) التي تضم نخبة من الجنود المدربين عسكريا ومزودة بحوالي 6500 جندي إضافة الى ناقلات جنود مدرعة ومجنزرة, لتبدأ معركة شرسة بين هذه العصابات وبين أهالي المدينة حيث بدأ هجوم العصابات الصهيونية عشية 9 يوليو (تموز) 1948 بعد الإعلان عن قيام كيان صهيوني في فلسطين في 5 مايو (ايار) 1948 لتقوم القوات بعزل المدينتين اللد والرملة لمنع وصول اي امدادات عسكرية. بدأ الهجوم بقصف جوي مكثف ومدفعي مركز ومستمر على الأحياء السكنية في مدينة اللد مما جعل عدد كبير من سكان المدينة يلجأون الى المسجد للإحتماء فيه, إلا أن القوات الصهيونية نصبت فيه مذبحة قتل فيها أكثر من 176 شهيدا وسقطت بعد ذلك المدينتين العربيتين في أيدي العصابات الإرهابية الصهيونية بعد انسحاب القوات الأردنية (الفوري) بدون سابق إنذار تلبية لأوامر قائدها الإنجليزي (غلوب باشا) ليواجه السكان بطش وقسوة وتنكيل قام به أفراد العصابات الإسرائيلية مما أجبرهم على الرحيل بصورة مؤلمة وقاسية ومهينة يهيمون على وهوههم خارج مجنهم يحملون معهم العذاب ويعانون من المجاعة والعطش في طريقهم الى الدول العربية المجاورة التي استضافتهم ولا تزال في مخيمات اللاجئين بينما كانت الجيوش العربية النظامية تشاهد هذه المجازر دون ان تحرك ساكنا العودة الى الذكريات قد تضع النقاط على الحروف وتلقي الضوء على الكثير من الوقائع المؤلمة التي تبين بوضوح مدى تعرض الشعب الفلسطيني لمؤامرة محكمة اشترك فيها دول تتشدق بالعروبة والوطنية, ومع ذلك نستعيد احداث بعض هذه المجازر للذكرى, إن نفعت, وللذكرى فقط, فقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي تنافس مجموعة من الزعماء العرب على رثائه والهرولة بحزن لتقديم واجبات العزاء بعد أن ذرفوا دموع التماسيح حزنا على فقدان (الصديق) رجل سلام الشجعان, هذا الصديق كان قائدا للودة الإسرائيلية التي احتلت مدينتي اللد والرملة في يوليو 1948, وهوالذي امر بترحيل سكان المدينتين اللد والرملة بالكامل, دون أن تتحرك في أعماقه رفة رحمة حيث اندفع خارج الوطن حوالي 50 ألف مواطن فلسطيني يهيمون على وجوههم في طريقهم الى الأردن, خاصة وغيرها, وابتسامة الانتصار ترتسم على وجهه العبوس. رجل السلام الذي بكاه الأصدقاء العرب, وتوجه بعضهم سرا يقدم واجب العزاء الى أرملته والدموع تترقرق في عينيه, تناسى أو نسي ما فعله رجل سلام الشجعان بالشعب الفلسطيني, حيث هو الذي أمر بتدمير ثلاث قرى عربية بالكامل في منطقة الطرون عندما كان رئيسا لهيئة الأركان في حرب 1967 بعد ان امر بترحيل سكان هذه القرى مشردين, والقرى هي عمواس ويالو وبيت نوبا, وكان عدد سكان القرى تسعة الاف نسمه, ثم قامت قواته, بناء على أوامره العسكرية بتدمير المنازل وازالة معالم القرى العربية بالكامل. هذا الصديق الذي رثاه كبار المسؤؤلين العرب وبكاه شركاء سلام الشجعان بالدموع والآهات هو الذي أصدر أوامره اللاإنسانية من موقعه كوزير للدفاع بتكسير عظام اطفال الحجارة الأبطال بعد قيامهم بانتفاضة فلسطينية من اجل مواجهة ظلم الاحتلال الاسرائيلي المرير…. وما أكثر المواقف الإرهابية التي اتصف بها قائد مسيرة سلام الشجعان. من المهم العودة, والعودة للتحليق في عالم الذكريات والتجوال تاريخيا في المدن الفلسطينية خاصة, والبلدان العربية عامة, لتنسم عبق الأرض الطيبة بما يثير الحنين في النفس ويضع الحروف بارزة فوق احداث نتجب عن مؤامرات ضد الشعوب لا يتسع المجال لذكرها… لما تحمل من هموم ومآسي وقسوة تتميز ببشاعة يتند لها جبين الإنسانية خجلا. العودة عبر سحر التاريخ ضرورة لتعميق الصلة بين الإنسان وبين الوطن… لإضاءة نور الشوق في الأعماق والعمل على تحيقي حلم عودة مزروع في وجدان المغترب حيث يقيم, خاصة الذي يعيش في المنافي ويعاي من مواقف عربية مقلوبة جعلت منه دائما الضحية حتى من الذين يتشدقون بأهمية المحافظة عل حقوقه… حقوقه في التنقل في أراضي المنافي العربية,,, وهو لا يملك إلا الخوف من الترحيل وعدم الإستقرار, دون أن يؤثر ذلك على أحاسيسه بأنه سيظل شامخا يتطلع نحو مستقبل مشرق في وطن حيث يقاوم أعاصير المؤامرات من أجل تحقيق الحلم الذي يكبر في أعماقه… الوطن… الأرض الطيبة.
