محمد دلومي كاتب صحفي
العمليات الأخيرة للمقاومة الفلسطينية تؤكد أن حركة حماس فهمت التطورات العالمية و التغييرات التي تحدث و درستها بدقة متناهية و ارتأت أن لا تبقى على هامش رقعة الشطرنج الدولية لعلمها أن تخلفها لن يحرك القضية و لن يحرك حتى أنصار القضية و المتحفظين، لذا لا بد من تحريك العالم كما يتم تحريك المياه الراكدة بحجر لينتبه الجميع، و بعيدا عن الاحداث الميدانية العسكرية، لابد من طرح البعد السياسي و نتائجه على المقاومة في ظل المتغيرات في المعادلات السياسية الدولية و نتائجها، دعونا أولا نؤكد أن المقاومة من الناحية السياسية استغلت الأوضاع العالمية و صراع القوى العظمى استغلالا كاملا، فهي تدرك جيدا أن اوروبا و من وراءها الولايات المتحدة الأمريكية انشغلوا منذ اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية بهذه الجبهة و كل الجهود منصبة في محاولة صناعة انتصار هناك لأن أي فشل في هذه القضية سيغير خارطة العالم السياسية بل و حتى الجغرافيا و يفجر الأوضاع في أوروبا و الاتحاد الأوروبي نفسه، لهذا فإن الصراع الفلسطيني تراجع في أجندة الاهتمام الغربي بعد الحرب الاوكرانية الروسية ولم يعد من الأولويات الذي يجعل الولايات المتحدة الامريكية و الدول الأوروبية يفتحون جبهة أخرى تستنزفهم كما استنزفتهم جبهة اوكرانيا التي جعلت بعض الدول الغربية تفكر في إيقاف المساعدات العسكرية لكييف بعدما طال الحسم و تصاعد الأزمة الاقتصادية، و حتى و إن حركت الولايات المتحدة الامريكبة حاملة الطائرات جيرارد آر فورد في الشرق الأوسط تزامنا مع العمليات العسكرية للمقاومة الفلسطينية النوعية فإن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد (استئناس) و رفع معنويات الدولة العبرية وشعبها و شكل من أشكال التضامن النفسي ليس إلا، فما الذي يمكن ان تقدمه او تفعله حاملة الطائرات الأمريكية لغزة أكثر مما فعلته الطائرات الحربية الاسرائيلية؟ هذا من جهة، و من جهة أخرى فإن فتح واشنطن جبهة قتال في الشرق الأوسط سيفقدها حلفاؤها التقليديون في المنطقة و يؤدي إلى فتح جحيم صعب صده يتعلق بإيران و حزب الله، مقابل ذلك فهناك قضية لا تقل أهمية عن قضية الشرق الاوسط، فالادارة الامريكية لا يمكنها بأي حال من الاحوال ان ترخي قبضتها على تحركات الصين في محيط جزيرة تايوان، و بيجين تترقب أي فرصة لتشتت التركيز الأمريكي عليها لتنفيذ إنزال في جزيرة تايوان، و الإنزال هذا قادم لا محالة و تنتظر الصين فقط الوقت المناسب للتنفيذ، هذه العوامل إذا جعلت من المقاومة رقما فاعلا في رقعة الشطرنج العالمية التي يحسب كل لاعب فيها حركته بدقة متناهية و هو ما فهمته حركة حماس و استغلته جيدا، فالمعطيات و المتغيرات السياسية في العالم تلعب في صالح القضية الفلسطينية، فدول افريقيا تحركت و تخلصت من الهيمنة الغربية خاصة الفرنسية (النيجر مالي بوركينافاسو، انموذجا)، أزمات اقتصادية تضرب الغرب و تعصف باستقرار دوله (فرنسا، بريطانيا انموذجا)، و الأكثر من هذا بداية نهاية الأحادية القطبية و ظهور ثنائية على رأسها الولايات المتحدة من جهة و روسيا و الصين من جهة أخرى، و ما زاد في ثقة المقاومة هو الخلافات السياسية الإسرائيلية الداخلية المتعلقة بالاصلاح القضائي التي باتت تهدد وجود إسرائيل نفسها في ظل عصيان عسكري غير مسبوق، كل هذه العوامل رسمت بها المقاومة معادلتها السياسية و رمت بكل ثقلها في عملية عسكرية نوعية ستظل عالقة في التاريخ البشري و لن نكون مبالغين ان قلنا ما حدث أعظم من احداث التاسع من سبتمبر و أكبر من حرب اكتوبر نفسها، و مهما كانت النتائج وخيمة على غزة فإن الواجب القول ان المقاومة تقدمت في رقعة الشطرنج العالمية خطوة نحو الأمام، و كسرت الحاجز النفسي للدول العربية التي استسلمت للأمر الواقع و ترفض دخول رقعة الشطرنج و تغير فيها اللعبة لصالحها، و ما حدث هو درس للمطبعين لمراجعة النفس و دخول الرقعة كلاعبين و ليس كبيادق تحركها القوى المتصارعة، و ما يؤسف له حقا أن كل دول العالم تستغل الاحداث الدولية و المتغيرات الحاصلة لصالحها من افريقيا و اسيا و دول أمريكا اللاتينية الا العرب فقد رضوا أن يكونوا من الخوالف، و قد يسألني سائل عن الجامعة العرببة و دورها في كل الذي يحدث و سيحدث، و في هذا المقام نحيي الجامعة العربية و نقول نوم العوافي جامعة بيانات القوافي