بقلم: محمد دلومي
كانوا بشرا ولم يكونوا أرقامالأمم المتحدة و الإعلام و المنظمات الدولية و الشخصيات و الرؤساء و الهيئات و الصليب الأحمر و أصحاب الخير و أصحاب الشر و هؤلاء واولئك، يتحدثون عن أكثر من عشرين ألف شهيد قضوا في غزة، نعم بكل بساطة العالم يتحدث عن رقم (20.000) ينقصون أو يزيدون لا فرق، و كأنهم يتحدثون عن آلاف من الأشياء الضائعة أو آلاف من البراغي أو المسامير ضاعت و لم تعد صالحة للاستعمال.
العالم كله يتحدث عن حتمية إيقاف هذه الحرب لأن الآلاف قضوا و الموت يهدد أرقاما أخرى تنتظر المصير نفسه، هؤلاء يا عالم ليسوا أرقاما، ليسوا أشياء توضع في المستودعات أو ورشة يمكن عدها من واحد إلى ألف ـأو من واحد إلى عشرين ألف تزيد او تنقص لا يهم، هؤلاء ناس و بشر و عائلات و أخ و أم و ابنة و أب و جد و عم و خال و صديق و جار وصهر، هؤلاء آلاف من الأحلام،ألاف من الفرح، ألاف من مشاريع كان يخطط لها اصحابها، شراء منزل، زواج، سفر، حج وعمرة، تربية أطفال و لهو الصبى و سهر الشباب، ورسالات تخرج، ولقاء في المقاهي، كل هذا قضت عليه الوحشية الاسرائيلية، أما العالم فحول هؤلاء البشر إلى أرقام يتم عدا تزيد ولا تنقص، غزة لم تكن يوما مستودعا أو ورشة تتكدس فيها آلاف الأشياء التي يعدها العالم عدا، غزة كانت قطعة من وطن مليئة بآلاف أحلام الناس بغد تشرق فيه الشمس كان الواحد في الأف يحلم بشراء سيارة و كان واحد بعد الألف يستمع كل صباح إلى نوارس بحر غزة، وكانت الرقم مائتين تحلم بزفافها الاسبوع القادم، و كان حبيبها الشهيد رقم مائتين وواحد الذي دفنها بالأمس، يستعد لصباح الغد ليذهب مع جاره لاختيار بدلة العرس، و كان الطفل لؤي الرقم الفين يحلم بدراجة وعده بها والده محمود إذا أحرز نتائج جيدة في امتحانات فصل الشتاء، و كانت للأرقام أحلام و أماني و ابتسامات و ضحكات و أحزان و أفراح كانوا بشر مثل البشر و لم يكونوا ابدا رقما، كانوا مجرد أحلام و أشواق، كانوا بشرا، مثلكم يا بشر.