محمد الدليم الجيش الاسرائيلي يغرق في غزةفشل عسكري، فشل استخباراتي، فشل سياسي
محمد دلومي كاتب صحفيي
تواصل غرق جيش الاحتلال في غزة، فلا يمر يوم إلا و صناديق الموتى من جنوده تصل تبعا، فالكمائن صارت عمل روتيني يؤدي في كل وقت بحياة جنود الاحتلال وبالعشرات، في ظل التكتم عن الخسائره في اوساط الجنود والعتاد، وفي هذا السياق كشفت جريدة هارتيس في أحد اعدادها الشهر الماضي أن عدد الجرحى والقتلى من الجنود والضباط ارتفع بشكل ملحوظ .
بداية من الشهر نفسه و قد ظهرت الكثير من الصور والفيديوهات في مواقع التواصل تم تسريبها من نشطاء اسرائليين لطائرات هيلكوبتر وهي تحط في المستشفيات بشكل يومي ناقلة جرحى ومصابين وقتلى، و لعل ما يدل على الفشل الاستخباراتي الكبير لجيش الاحتلال، هو ما تم كشفه في اواخر شهر ماي حين تم الاعلان بأن قائد اللواء الجنوبي في فرقة غزة عساف حمامي لم يقتل في السابع عشر اكتوبر الماضي وإنما يتواجد أسيرا لدى المقاومة الفلسطينية، و هو ما شكل صدمة في الاوساط الاسرائيلية سيما وأن جيش الاحتلال أقام جنازة مهيبة في ديسمبر الماضي للضابط صدمة اخرى تلقتها حكومة بن يامين نتيناهو شهر مايو الماضي.
حينما استقبل مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلي معلومة بأن قائد اللواء الجنوبي لغزة عساف حمامي، يوجد أسيرا في غزة منذ السابع اكتوبر الماضي، وهو الذي تم الاعلان عن مقتله في حينه و أعلن الجيش أن المقاومة قامت بخطف جثته، وبعد شهرين عن هذا الاعلان تم اقامة جنازة عسكرية رسمية مهيبة بحضور عائلة القائد العسكري الكبير فضلا عن شخصيات بارزة في حكومة الاحتلال وقد القيت خلالها الخطب التي تحدث فيها زملاء الضابط عن خصاله، بل وعد بعض الرسميين بأنهم سيسترجعون جثته من المقاومة بأي ثمن، ليظهر أن الضابط ما زال على قيد الحياة بعد فيديو بثته كتائب المقاومة .
السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذا المفاجأة غير السارة لبن يامين نتياهو، هو ماذا يعني هذا الحدث ؟هذا هو السؤال الأكثر طرحا في الشارع الاسرائيلي، فكيف أثبتت الحكومة مقتل الضابط، بعد صمت وتكتم دام شهرين لتعترف بمقتله وخطف جثته في شهر ديسمبر وتقيم له جنازة عسكرية رسمية ؟
هذا السؤال يؤكد على حقيقة كبيرة، وهي فشل ذريع لكل اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية ومعها الاجهزة الاستخباراتية الغربية التي تنتشر في محيط غزة وتسرب كل المعلومات الخاصة بغزة لجيش الاحتلال وتنسق معه تنسيقا كبيرا، و من غير المستبعد ان تكون المقاومة في غزة هي من سربت بأن المعني قد قتل وان جثته تم نقلها الى قطاع غزة وذلك لأهداف استراتيجية، و الدليل على ذلك انها لم تعلق بعد اعلان مقتل الضابط من قبل جيش الاحتلال ولا علقت على ومراسيم دفنه وتركت الأمر الى غاية شهر مايو الماضي لتعلن بأن القائد العسكري الاسرائلي أسير لديها وهذا ما نقلته وسائل الإعلام بعد ذلك.
وقد يعود الإعلان عن هذه القضية من قبل المقاومة في هذا التوقيت بالذات لتصاعد التوتر بين قادة الجيش ورئيس حكومة الاحتلال الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، سيما في ظل تبادل التهم التي تصاعدت شدتها في الفترة الاخيرة بين بن يمين نتينياهو وقادة جيشه حول من يقف وراء كارثة السابع اكتوبر، فالجيش يؤكد أنه قدم تقريرا للحكومة يحذر فيه من عمل عسكري وشيك على الكيان ينطلق من غزة، بينما نتياهو يؤكد أن التقارير التي وصلته لم تكن كما يصفها الجيش، بينما رافع قائد الأركان من أجل فتح تحقيق في القضية وتحديد المسؤوليات، فضلا عن هذا كله يبدو تصاعد العصيان داخل صفوف جيش الاحتلال.
قنبلة موقوتة أخرى قد تنفجر في أي لحظة، بينما ارتفاع عدد المصابين والآلاف الذين بترت أطرافهم ودخلوا عالم الاعاقة صار يشكل هاجسا آخر و عبئا على الخزينة سيما ما تعلق بالتعويضات والذي سيجعل مجرد مشاهدة مثل هذه الحالات لدى باقي الجنود ضربة أخرى لنفسية الجنود وقادتهم ما دام أن الكل سينتظر دوره في طابور القتلى او الجرحى، دون نسيان اولئك الذين سيعانون من صدمات نفسية وعقلية.
ولم تشفع عملية انقاد الرهائن الاربعة خلال شهر جوان الحالي في تغيير نظرة الشارع الاسرائيلي للحرب الدائرة في غزة، سيما بعد التسريبات التي أكدت أن العملية خسر فيها الجيش الاسرائيلي ثمانية عشرة جنديا منهم قائد كبير، ناهيك عن مئات القتلى من المدنيين في مجزرة أثارت سخط العالم و زادت من عزلة إسرائيل في المجتمع الدولي، ورغم محاولات حكومة الاحتلال على اظهار ان العملية تعد بطولية.
إلا أن الشارع الاسرائيلي لم يتوقف عن الاحتجاجات مطالبا بوضع حد لهذه الحرب واستعادة ممن بقوا من الاسرى أحياء وخلاصة القول أن جيش الاحتلال يعيش أسوأ كوابيسه في غزة منذ عقود طويلة وفشله ظاهر على كافة الاصعدة سواء من الناحية العسكرية او من الناحية الاستخباراتية وحتى سمعته في المجتمع الدولي صارت في الحضيض، وهذا باعتراف ضباط سابقين من جيش الاحتلال نفسه، ويوما بعد يوم يتكشف للعالم أن المقاومة تتقدم كل يوم خطوة على جيش الاحتلال وأن خيوط الحرب لم تعد في واشنطن ولا في باريس او لندن وبرلين ولا في مجلس الأمن والأمم المتحدة، بل خيوط الحرب صار يحركها الميدان رغم الخسائر الباهضة في وسط المدنيين التي بدون شك سيكون ما بعدها على المستوى الدولي بعد نهاية الحرب مهما كانت نتائجها.