محمد دلومي – كاتب صحفي
انتهى هجوم عشرات المسيرات التي اطلقتها ايران على اسرائيل كما بدأت، أو دعونا نقول انتهت بالتراضي او بالتعادل، و لو استعرضنا المشهد فإن علامات استفهام عدة تطرح نفسها في حرب سقطت فيها الطائرات المسيرة ولم يسقط فيها لا جرحى ولا قتلى، ولأول مرة في تاريخ الحروب يتم التفاوض حول توقيتها وإعلانها بين الخصوم المتحاربين، فمنذ قصف اسرائيل سفارة طهران في دمشق والحديث على هجوم إيراني وتوقيته يدور كرسائل إعلامية بين تل أبيب وطهران وواشنطن، حتى أن إيران صرحت أن ضربتها الموجهة ستكون قريبا، والأغرب من هذا التصريح هو تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن أن ايران ستهاجم اسرائيل خلال الساعات القليلة القادمة وهو ما حدث فعلا، وكأن بايدن شارك في اجتماع قيادة اركان الرجيش الايراني، وأبسط أبجديات الحروب هي المباغتة والكتمان وهو ما لم نشاهده في حرب المسيرات، وفي متابعة لهذه الحرب الغريبة فإن عدة نقاط يمكن ملاحظتها، فأبرز الملاحظات هو مطالبة بايدن من اسرائيل بعدم الرد على الهجوم الإيراني، بعدها بـأقل من ساعة خرج مندوب طهران في الأمم المتحدة ليعلن ان الأمر صار منتهيا واذا ارتكبت اسرائيل خطأ آخر فإن الرد سيكون أكثر حدة، و الملاحظ هنا أن تصريح الدبلوماسي الايراني جاء بعد أن ضمن موقف واشنطن الذي اعلنه الرئيس بايدن ومطالبته تل أبيب بعدم الرد على ايران، الملاحظة الاخرى هي تصفيرات الاستهجان للاسرائليين خلال اعتراض المسيرات بنظام القبة الحديدية وفي العادة في مثل هذه الظروف يتم اللجوء الى الملاجئ وليس التفرج على الدرونات و الصواريخ التي تعترضها، كما أنه يمكن تسجيل ملاحظة أخرى وهي مطالبة جو بايدن رئيس الوزراء الاسرائيلي بن يامين نتنياهو اعتبار ان اسرائيل انتصرت بعد أن اسقطت الدفاعات الامريكية مئات المسيرات الايرانية، في مقابل ذلك إعلان إيران أنها هاجمت اسرائيل وحققت أهدافها، ما يعني أن المقابلة انتهت بالتعادل لا غالب ولا مغلوب بين الطرفين، و الى غاية هنا نحن لا نحلل ولا نود ان نجر القارئ إلى فكرة ما ولكننا نطرح أسئلة التي هي بحاجة إلى أجوبة منطقية.
و دعونا نذكر بما صرح به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في إحدى المناسبات الانتخابية في تكساس وهو يتحدث عن قضية اغتيال قاسم سليماني عن طريق مسيرة للجيش الامريكي، حيث قال “إيران أسقطت طائرة مسيرة أميركية قديمة، وكان خلفها طائرة تجسس أميركية ضخمة تحمل تقريباً 39 مهندساً وطياراً، لكنها لم تعترضها، فتم الرد عليهم وقمنا بتخريب بعض الردارات وبعدها قتلنا سليماني”.
وتابع: ترامب: ” ومن أجل حفظ ماء الوجه أبلغونا القادة في إيران أنه سيتم إطلاق 18 صاروخاً على قاعدة أميركية في العراق (عيد الأسد) لكنها لن تستهدفها مباشرة، بل ستستهدف فقط محيط القاعدة”. و أوضح الرئيس السابق للولايات المتحدة الامريكية أن أي جندي أميركي لم يصب بأذى في هذا القصف، وأنه كان الشخص الوحيد الذي كان هادئا” إثر هذا القصف بسبب علمه “بنوايا إيران”.
أمام هذا كله فإنه واهم من يعتقد أن الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية تسعى إلى حرب كبيرة مع إيران أو إلى القضاء على النظام الإيراني، فهناك مصالح استراتيجية مشتركة بين كل هذه الأطراف بمن فيهم إسرائيل، فغياب طهران عن المشهد الأقليمي لا يخدم مصالح واشنطن وباقي العواصم الغربية، فإيران تعد الضامن لتدفق السلاح الأمريكي على دول الخليج، فهي بمثابة فزاعة يتم التلويح بها في وجه دول المملكة العربية السعوودية وباقي دول الجوار العربية، فالولايات المتحدة الامريكية ومعها دول حلف الناتو تستفيد من ملايير الدولارات من صفقات السلاح التي تقتنيها الدول الخليجية احتمالا لأي مواجهة محتملة مع القوات الإيرانية، فلا يمكن القضاء على إيران كما كان الشأن مع عراق صدام حسين، فالعراق كان يمثل تهديدا حقيقيا للمصالح الغربية في المنطقة ورغم اختلافه مع دول الخليج واحتلاله للكويت، فقد كان يمكن لدول الخليج ايجاد صيغة تفاهم معه لمواجهة إيران، و استباقا لأي تقارب خليجي عراقي كان لا بد من القضاء على نظام صدام حسين في العراق وهو ما حدث فعلا، أما الوضع مع إيران فيختلف تماما، فنهاية النظام الإيراني يعني نهاية التهديدات على دول الخليج وبالتالي توفق صفقات السلاح الضخمة بين دول الخليج وواشنطن و العواصم الغربية، فدول الخليج لا تعتبر العراق بشكله الحالي تهديدا ولا حتى اسرائيل الذي تسعى للتطبيع معها، فالتهديد الوحيد بالنسبة لها هو طهران، و اختفاء طهران عن المشهد يعني اختفاء الخطر واذا اختفى هذا الخطر فليس لدول الخليج حاجة إلى صفقات السلاح الضخمة.
و بالعودة إلى قصف السفارة الايرانية في العاصمة السورية دمشق من قبل اسرائيل، فإن الهدف من استفزاز تل أبيب لإيران في هذه العملية، هو محاولة استرجاع حلفاءها في الغرب الذين بدأوا يتراجعون عن دعمها في ظل المجازر التي تقع في غزة، بل وهددت حكومات غربية على رأسها اسبانيا وايرلندا ودول اسكندنافية بالاعتراف بدولة فليسطين ودعمها ليكون لها مقعدا في الأـمم المتحدة، و الامر الآخر هو محاولة تل أبيب إسترجاع عذريتها أمام الرأي العام العالمي الذي توسعت دائرة رفضه و صدمته لما يحدث من مجازر في غزة، فهجمات إيران بمسيرات او حتى صواريخ يعيد بعض التعاطف العالمي مع إسرائيل، ولو أرادت طهران حربا حقيقية مع تل أبيب لاستعملت أسلحة أخرى وصواريخها الفرط صوتية.
و في النهاية قد تحدث حرب بين إيران واسرائيل والولايات المتحدة الامريكية وقد يقع فيها قتلى وخسائر، لكن ستكون حربا محدودة أملتها مصالح الأطراف المذكورة، ولأن كل طرف في هذه المعادلة له مصالح مرتبطة بالطرف الآخر، فإن إعلان حرب على إيران من قبل القوى الكبرى شبيهة بتلك التي حدثت في 1990 ضد العراق و في 2003، بعيدة الإحتمال.